قال في مقدمته : الحمد لله فالق الإصباح وجعل الليل سكنا يرسل الرياح بين يدي رحمته بشرا , ملك السموات والأرض وما بينهما وهو العزيز الحكيم , وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم لا إله إلا هو لم يشرك في ملكه أحدا ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق وبينات من الرشاد ووعد الصدق . وأنزل عليه كتابه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فبلغه للناس كافة وبينه للخاصة والعامة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة حتى كمل دين الإسلام وتقررت شرائعه ولاحت سبل الأحكام وثبتت مناهجه وأمر بتبليغه إلى من شهده وإلى من سمعه ومن لم يسمعه لتكون معالم الدين بعده لائحة وأحكامه على ما أثبتها باقية فصلى الله عليه وعلى آله وأتباعه وسلم تسليما . ( أما بعد ) وفقنا الله وإياك لما يرضيه فإنك ذكرت أن الكتاب الذي ألفت في شرح الموطأ المترجم بكتاب الاستيفاء يتعذر على أكثر الناس جمعه ويبعد عنهم درسه لا سيما لمن لم يتقدم له في هذا العلم نظر ولا تبين له فيه بعد أثر فإن نظره فيه يبلد خاطره ويحيره ولكثرة مسائله ومعانيه يمنع تحفظه وفهمه . وإنما هو لمن رسخ في العلم وتحقق بالفهم ورغبت أن أقتصر فيه على الكلام في معاني ما يتضمنه ذلك الكتاب من الأحاديث والفقه وأصل ذلك من المسائل بما يتعلق بها في أصل كتاب الموطأ ليكون شرحا له وتنبيها على ما يستخرج من المسائل منه ويشير إلى الاستدلال على تلك المسائل والمعاني التي يجمعها وينصها ما يخف ويقرب ليكون ذلك حظ من ابتدأ بالنظر في هذه الطريقة من كتاب الاستيفاء إن أراد الاقتصار عليه وعونا له إن طمحت همته إليه فأجبتك إلى ذلك وانتقيته من الكتاب المذكور على حسب ما رغبته وشرطته وأعرضت فيه عن ذكر الأسانيد واستيعاب المسائل والدلالة وما احتج به المخالف وسلكت فيه السبيل الذي سلكت في كتاب الاستيفاء من إيراد الحديث والمسألة من الأصل ثم أتبعت ذلك ما يليق به من الفرع وأثبته شيوخنا المتقدمون رضي الله عنهم من المسائل وسد من الوجوه والدلائل وبالله التوفيق وبه أستعين وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل . وقد قدمت في الكتاب المذكور ما لا أخلي هذا الكتاب من حرف من ذكره وذلك أن فتوى المفتي في المسائل وكلامه عليها وشرحه لها إنما هو بحسب ما يوفقه الله تعالى إليه ويعينه عليه وقد يرى الصواب في قول من الأقوال في وقت ويراه خطأ في وقت آخر ولذلك يختلف قول العالم الواحد في المسألة الواحدة فلا يعتقد الناظر في كتابي أن ما أوردته من الشرح والتأويل والقياس والتنظير طريقه القطع عندي حتى أعيب من خالفها وأذم من رأى غيره . وإنما هو مبلغ اجتهادي وما أدى إليه نظري وأما فائدة إثباتي له فتبيين منهج النظر والاستدلال والإرشاد إلى طريق الاختبار والاعتبار فمن كان من أهل هذا الشأن فله أن ينظر في ذلك ويعمل بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده من وفاق ما قلته أو خلافه ومن لم يكن نال هذه الدرجة فليجعل ما ضمنته كتابي هذا سلما إليها وعونا عليها والله ولي التوفيق والهادي إلى سبيل الرشاد وهو حسبنا ونعم الوكيل .
مواد للتحميل:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق