طبع بدار الغرب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى: 1425هـ/ 2004م.بتحقيق الدكتور حميد لحمر
يمثل كتاب «شرح جامع مختصر ابن عبد الحكم» لأبي بكر الأبهري حلقة ثمينة ضمن حلقات عقد المدرسة المالكية المصرية العراقية، وتتجلى أهميته في جمعه بين إنتاج عالمين جليلين؛ الأول: عبد الله بن عبد الحكم المصري (ت214هـ) مؤلف الجامع، وشارحه: أبي بكر الأبهري البغدادي (ت375هـ)، والتأليف في مجال الجوامع من الخصوصيات التي تميزت به المدرسة المالكية عن باقي المدارس الفقهية المذهبية الأخرى، فكتب الجوامع عادة تأتي في آخر الدواوين الفقهية، وتشتمل مواضيع متنوعة كالأخلاق والورع والعقائد والفرق وغيرها.
ويأتي اهتمام أبي بكر الأبهري بوضع هذا الشرح على جامع ابن عبد الحكم لكونه من الجوامع الأمهات، ولما رأى من حاجته إلى شرح يزيل اللبس والإبهام عما أشكل من معانيه واستغلق من مسائله، وقد أهله لذلك علمه الكبير باختلاف أقوال مالك، وكذا عنايته البالغة بمؤلفات ابن عبد الحكم، قال القاضي عياض حكاية عن الأبهري: «قرأت مختصر ابن عبد الحكم ـ الكبيرـ خمسمائة مرة...». ويسلك الأبهري في شرحه للجامع طريقة تكاد تنفرد بها المدرسة البغدادية، فيذكر أولا المسألة أو المسائل المتعددة، وفق ترتيب الأصل الذي هو عبارة عن مسموعات وسؤالات عبد الرحمن بن القاسم، وعبد الله بن وهب، وأشهب بن عبد العزيز للإمام مالك بن أنس مجردة من الدليل، ثم يشرع في بيان المسألة بشرح تفصيلي ـ بعد عبارة: «إنما قال ذلك ...»ـ والاستدلال عليها بما يؤيدها من الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، أو آثار العلماء، مع حرصه على تقرير المشهور في المذهب بالاقتصار على مأثورات المالكية المبكرة التي تعود إلى مالك بن أنس ومن بعده مباشرة، دون ذكر الخلاف في المسألة، ناسجا ذلك كله بأسلوب فقهي يتميز بالدقة في التعبير، ووضوح في العبارة، كما أنه قام بشرح جميع أبواب كتاب الجامع، ويتبين ذلك من خلال قوله في آخر الشرح: «آخر كتاب الجامع، وهو آخر كتاب عبد الله بن عبد الحكم المصري...».
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فكتاب الجامع لابن عبد الحكم يمكن حصر أصوله في أسمعة وسؤالات تلاميذ الإمام مالك، فقد كان اعتماد عبد الله بن عبد الحكم رحمه الله على سماع ومجالس عبد الرحمن بن القاسم العتقي (ت191هـ)، وكتاب الأسمعة عن مالك لعبد الله بن وهب المصري (ت197هـ)، ومدونة أشهب بن عبد العزيز المصري (ت204هـ)، كما أن الشيخ أبا بكر الأبهري اعتمد في شرحه على إيراد نقول أئمة المذهب، والاستدلال بالأحاديث النبوية من أصولها خصوصاً موطأ الإمام مالك.
وبالجملة فشرح الأبهري على جامع ابن عبد الحكم تجتمع فيه محاسن التصنيف، ويمثل نموذجا فريدا في بابه، استحق بذلك أن يكون عمدة ومرجعا لمن ألف بعده على منواله، كابن الجلاب (378هـ) في «كتاب الجامع من كتاب التفريع»، وابن أبي زيد القيرواني (ت386هـ) في «كتاب الجامع في السنن والآدب والحكم والمغازي من مختصره على المدونة»، والقاضي عبد الوهاب البغدادي (ت422هـ) في «كتاب الجامع من كتاب المعونة في مهذب أهل المدينة» وغيرهم./ منقول الرابطة المحمدية
ـــــــــــ
مصادر ترجمة المؤلف :
تاريخ بغداد (3/492-494)، ترتيب المدارك (6/183-192)، طبقات الفقهاء للشيرازي (167)، الديباج المذهب(2/190-194)، شجرة النور الزكية (1/136-137)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق