قال ابن فرحون: «له شرح مسائل ابن جماعة في البيوع شرحا مفيدا »
طبع في دار النشر الشركة الجزائرية اللبنانية و دار ابن حزم، تحقيق: علي محمد إبراهيم بورويبة، ط1/ 1428هـ/2007م
اتّسَم التأليف في الفقه المالكي ـ كما في غيره ـ بالتنوع والثَّرَاء، فمن العلماء من ألف في سائر الأبواب الفقهية، ومنهم من اقتصر على أبواب العبادات، ومنهم من اقتصر على فقه المعاملات، ومنهم من اختار بابا واحدا من هذه الأبواب، فأفرده بالتصنيف بحيث جمع فيه ما تناثر في غيره، ومن هذا القبيل كتاب مسائل البيوع للفقيه أبي بكر بن القاسم بن جماعة التونسي (ت712هـ)، الذي قصد فيه إلى بيان أحكام البيوع التي تمسّ حاجة الناس إليها في معاملاتهم.
وقد لقي هذا الكتاب إقبالا من لدن العلماء بعده نظما وشرحا، فممن نظمه أبو العباس أحمد بن سعيد الحباك (ت870هـ)، وأبو سالم عبد الله بن أبي بكر العياشي (ت1090هـ) سمى نظمه «معونة المكتسب وبغية التاجر المحتسب»، ثم شرحه في «إرشاد المنتسب إلى فهم معونة المكتسب».
ومن أنفس شروحه وأكثرها فائدة شرحُ العلامة أبي العباس أحمد بن قاسم الجُذَامي الفاسي الشهير بالقَبَّاب (ت779هـ)؛ إذ رام فيه تقريبَ مسائله وفكّ عباراته، ولما رأى أن مسائل بيوع ابن جماعة غير مرتبة ولا مبوبة اجتهد في إعادة ترتيبها وتبويب مسائلها وجعلها أربعة عشر بابا.
ولم يكلف الشارح نفسه التوسع في توضيح المسائل وذكر خلاف العلماء، وعرض مذاهبهم، بل على العكس من ذلك نجده يُصَدِّر شرحه بإيراده نصِّ المتن، ويكتفي ببيان المشهور من المذهب في المسألة، وأحيانا يشير إلى بعض الخلاف داخل المذهب، أو خارجه، وفي بعض المسائل يُسْهب ـ إلى حدٍّ ما ـ في الشرح أكثر من غيرها، حسب ما يحقِّقُ المراد والغاية منها، كما أنه يورد نصوص العلماء يستعين بها على فهم كلام صاحب الأصل، ولعلّ ما يُبرز قيمة الكتاب العلمية نوعية المصادر التي اعتمدها الشارح في شرحه، وهي كلُّهَا مصادرُ قديمة من أمهات المذهب المالكي مثل: «تهذيب المدونة» لأبي سعيد البراذعي (ت438هـ)، و«الجامع» لابن يونس (ت451هـ)، و«التبصرة» لأبي الحسن اللَّخمي (ت478هـ)، و«البيان والتحصيل»، و«المقدمات الممهدات» لأبي الوليد ابن رُشد (ت520هـ)، و«شرح التلقين» لأبي عبد الله المازَرِي (ت536هـ)، و«التنبيهات المستنبطة على كتب المدونة والمختلطة» للقاضي عياض (ت544هـ)، هذا بالإضافة إلى كتب أوائل المذهب كالمدونة، والموازية، والواضحة...، وهذا يُؤكد ما نُقِل عن القَبَّاب من كراهته النقل من كتب المتأخرين كابن بَشير وابن شاس، وابن الحاجب، وكان يقول: «إنهم أفسدوا الفقه»، وعلَّق على هذا التنبكتي بقوله: «وكأنه يعني بذلك ـ والله أعلم ـ أن الأخيرين أدخلا جملة مسائل من وجيز الغزالي في المذهب، مع أنها مخالفة له كما نبَّه عليه الناس، والأول بنى فروعا على قواعدَ أصولية، وأدخلها في المذهب مع مخالفته لها».
ومما يُبرز قيمة شرح مسائل ابن جماعة استحسان العلماء له، قال ابن فرحون:«له شرح مسائل ابن جماعة في البيوع شرحا مفيدا»، كما أن جماعة منهم نقلوا عنه في مصنفاتهم وتآليفهم، واعتمدوا أقوال مؤلفه لما عُرِفَ عنه من التبحر في الفقه، وقوة الترجيح، ومن الذين نقلوا عنه أبو عبد الله محمد بن القاضي إبراهيم بن فرحون (ت814هـ) في كتاب «المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة»، وأبو عبد الله المواق العبدري (ت897هـ) في «التاج والإكليل»، وأبو عبد الله الحطاب في «مواهب الجليل»، وغيرهم.
طبع كتاب شرح مسائل ابن جماعة، عن الشركة الجزائرية اللبنانية، ودار ابن حزم، ط1/1428هـ/2007م، بتحقيق: علي محمد إبراهيم بورُوَيْبَةَ الذي لم يَرْقَ عمله في خدمة الكتاب إلى المستوى المطلوب، وظهر استعجاله في نشر الكتاب؛ إذ اعتمد في تحقيقه نسخة وحيدة، ولم يكلف نفسه عناء البحث عن النسخ الأخرى وهي جدُّ كثيرة، ففي الخزانة الحسنية بالرباط توجد خمسة عشر نسخة هذه أرقامها: 348، 1464، 1583، 5359، 5526، 6171، 8215، 8618، 9069، 10229، 11690، 12260، 13323، 13895، 14007.
ـــــــ
مصادر ترجمته الإحاطة (1/187)، الديباج المذهب (1/162)، أنس الفقير (ص78)، جذوة الاقتباس (1/123)، نيل الابتهاج (ص102)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق