يقع الكتاب في 342 صفحة من القطع المتوسط مشتملة على تقديم تضمن التعريف بالناظم والشارح ووصف النسخة الوحيدة التي اعتمدها المحقق - وهي نسخة الأستاذ أحمد بن المحفوظ اليعقوبي رحمه الله - المنقولة عن نسخة أخرى لأحد طلبة المؤلف نسخها بعد أربع سنوات من وفاة شيخه العباسي. ثم إبراز العمل في التحقيق المتمثل في قراءة النص قراءة علمية متأنية بهدف فهمه والإحاطة بمباحثه، وتصحيح ما يرد في النسخة الخطية من أخطاء وتصحيفات اعتمادا على مراجعة مصادر المؤلف، ثم تخريج ما يرد في النص من آيات قرآنية كريمة، وأحاديث نبوية شريفة وتوثيق الأشعار والأمثال والشواهد والتعريف بالأعلام البشرية مع الإحالة على مصادر تراجمها، وشرح الألفاظ والتعابير المحتاجة إلى الشرح وتذييل النص بالمنظومة المشروحة، وأخيرا تذييل النص بفهارس منوعة تيسر الوصول إلى ما فيه من مواد ومعارف.
أما صاحب المنظومة فهو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الصغير الأخضري الجزائري ولد سنة 918هـ/1512 ببلدة بسكرة ينتمي إلى أسرة مشهورة بالعلم والصلاح، له عدة مؤلفات في الفرائض والحساب والبلاغة والفلك والفقه الملكي والمنطق، توفي سنة 983هـ/1575
اما شارحها فهو أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد العباسي السملالي الذي ينتمي إلى أسرة علمية عريقة من علماء المغرب الكبار في عصره نشأ تحت نظر والده العلامة الكبير محمد بن محمد العباسي، ودرس عليه بمدرستهم قريبا من تازروالت، ثم شد الرحال إلى الزاوية الناصرية بتامگروت فأخذ عن شيوخها، كما درس بمراكش، ومن شيوخه أحمد بن ناصر الدرعي وأحمد الهشتوكي أحوزي وحسين الشرحبيلي الدرعي ومحمد الصغير الورزازي... عاد إلى بلده واعتكف على التعليم والتأليف والوعظ وأخذ عنه جملة وافرة من الطلبة من أبرزهم الشيخ أحمد بن محمد الحضيكي، كما ترك مؤلفات مهمة في البلاغة والفقه والأدب و فهرسة دوّن فيها ما أخذه عن أشياخه، توفي سنة 1152هـ ودفن بمقبرة تازروالت.
وأما هذا الشرح فهو شرح جيد أزال اللثام عن المضامين البلاغية التي تضمنتها المنظومة، وبسط الكلام في فنون البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، ولا شك أن المهتمين بالبلاغة سيستفيدون منه وسيعينهم على فهم منظومة الأخضري والإحاطة بمباحثها البلاغية، ولا سيما أساتذة وطلبة المدارس العلمية العتيقة التي تعد هذه المنظومة من متونها البلاغية المعتمدة.
وقد اعتمد العباسي في شرح هذه المنظومة اعتمادا كليا على: مختصر سعد الدين التفتازاني" على "التلخيص" ينقل كلامه دون تصرف – غالبا – وبتصرف بسيط في أحيان قليلة، ولذلك نجده في الغالب لا يتتبع ألفاظ المنظومة بالشرح والتعليق كما يفعل غالب الشراح، وإنما يورد بيتا أو أبياتا من المنظومة، فينصرف توا إلى ما ورد في "مختصر السعد" بخصوص موضوع البيت أو الأبيات، فيقتبس منه ما يرى اقتباسه ضروريا، ثم ينتقل إلى بيت أو أبيات أخرى، وهكذا حتى أتى على نهاية المنظومة.
وهذا لا يعني أن "مختصر السعد" هو مرجعه الوحيد في هذا الشرح، فقد كان في بعض الأحيان يتجاوزه إلى مراجع أخرى، يستعين بها، وينقل منها، أو يحيل عليها، ومن البلاغيين وغيرهم الذين انتفع بهم في هذا الشرح: الشيخ ياسين العليمي الحمصي صاحب حاشية على مختصر السعد، وأبو الحسن الشبلي ومحمد بن عبد الرحمن الضرير المراكشي صاحب ترجيز المصباح وشرحه ضوء الصباح على ترجيز المصباح، والشريف الجرجاني صاحب شرح المفتاح المسمى بالمصباح، والخطيب القزويني مؤلف الإيضاح، والسكاكي مؤلف مفتاح العلوم وصفي الدين الحلي مبدع البديعية المسماة "الكافية البديعية في المدائح النبوية والزمخشري مؤلف الكشاف والهيثمي صاحب مجمع الزوائد وسيبويه مؤلف الكتاب في النحو ومحمد بن سعيد الميرغتي مؤلف "شرح المفيد" وداود الأنطاكي والشيخ ابن عرفة الدسوقي والسيوطي والعقباني والحسن بن مسعود اليوسي...
ويبدو أن هذا الشرح كان معتمد مؤلفه في تدريس مادة البلاغة لطلبته فأخذوه عنه ونسخوه وتناقلوه فيما بينهم مجسدا عمل الأدباء والعلماء المغاربة في العناية باللغة العربية وعلوم البلاغة؛ لأنها وسيلتهم لفهم كتاب الله عز وجل الذي لا يفهم حق الفهم، ولا تدرك أسراره ومقاصده، ولا تقطف ثماره وأزهاره، ولا يوقف على مفاتيح سموه وإعجازه إلا بالاستعانة بهذا العلم الجليل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق